كان خالد يقود سيارته الجديدة الفارهة مستمتعا حد النشوة، "سيارتك تجنن يا خالد!!" جمله قالها صديقه تركي عندما رأى سيارة خالد الجديدة لأول مرة، فكرة " إصابته بالعين" كانت تقلقه حقاً، كانت هذه الفكرة هي الأخيرة التي عبرت برأسه قبل أن تصدم بسيارته الجديدة سيارة أخرى كانت تسير بسرعة جنونية0
أصيب خالد بكسر في ساقه اليمنى، وتضررت سيارته بدرجة كبيرة، مباشرة أخذ خالد سيارته المتضررة بمساعدة أخيه وأصر على الذهاب إلى شيخ الرقية من الإصابة بالعين ورفض الذهاب إلى المستشفى تماماً ولم يستجيب لنداءات أبويه وأخيه وإلحاحهم لمعالجة إصابته لدى طبيب العظام0
قصة قصيرة أترك لكم اعزائي الحكم عليها، ولعلها تكون مدخلاً لنا للحديث عن الإصابة بالعين وعلاقتها بالأعراض الجسدية والنفسية التي تصيب الإنسان0
بداية، لا يمكن أن يكون هناك مسلم ينكر وجود العين، فقد قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) "العين حق ونهى عن الوشم" رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، فالعين تصيب الإنسان في صحته وماله وغير ذلك، وتأثيرها حقيقة لا ينكرها مسلم من هذا المنطلق فإن جميع الأطباء المسلمين سواء كانوا يعالجون الأمراض العضوية أو النفسية يؤمنون بوجود العين كحقيقة، لكن الاختلاف الموجود حالياً هو في طريقة التشخيص وطريقة العلاج0 فكما رأينا في القصة السابقة لا أحد يستطيع الجزم بأن الحادث هو بسبب الإصابة بالعين ولكنه احتمال وارد يتحمل الصواب والخطأ0 وأحب أن أؤكد هنا على نقطة بالغة الأهمية ألا وهي أنه لا يوجد في الأدلة الشرعية حصر أعراض محدد للعين سواء كانت نفسية أو جسدية، ومن ادعى غير ذلك فعليه الدليل0 وما يقوم به القراء اليوم من الادعاء بأن حدوث التثاؤب أو البكاء أو الإحساس بالتنميل مثلاً عند قراءة آيات معينة من القرآن الكريم هو دليل على الإصابة بالعين هو مجرد اجتهادات لم يثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أو عن صحابته الكرام ، رضوان الله عليهم0 والرقية بما فيها من آيات وأدعيه تحرك مشاعر المسلم وتؤثر فيه ويتفاعل معها وربما يبكي ويتوتر ثم يزول ذل بعد الرقية مما يحمل المريض على الاعتقاد بأنه مصاب بالعين0
وللرد على هذا الادعاء لنتأمل قول الله تعالى: ( الله أنزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ) "الزمر:23"، فقد وصفهم الله بأنهم "يخشون ربهم" ولم يصفهم بأهم مصابون بالعين، ومما يزيد الأمر تعقيداً أن نسبة ليست بالقليلة ممن يطلبون الرقية عند القراء هم مصابون بأمراض الاكتئاب والقلق وتظهر لديهم أعراض مثل سرعة التأثير وفرط الحساسية وسرعة البكاء فيتأثرون بشدة لدى سماعهم الآيات والأدعية، فيظن أنه مصاب بالعين، فتبدأ رحلة العلاج ومتاهة البحث عن العائن وكيفية الحصول على أثره، وهذا يقودنا إلى الحديث عن العلاج0
ما هو علاج الأعراض الجسدية أو النفسية
التي يعتقد أنها نتيجة إصابة العين؟
إن هدى الرسول (صلى الله عليه وسلم) في علاج المصاب بالعين يتلخص في أمرين:
الأول: أمر العائن بالاغتسال وهو الأفضل والأسرع، وصفته موجودة في كتاب الفقه والسير، ولكن هذا الأمر لا يتم إلا معرفة العائن وهو أمر ظني في أغلب الأحوال، ويسبب كثيراً من المشاكل ولاسيما إذا كان الشك في الأقارب والأصدقاء0
ثانيا: التعوذات والرقي مثل قراءة المعوذتين والفاتحة وآية الكرسي وغيرها0
ونلاحظ أيضاً أنه لم يرد عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ما يقصر علاج العين على هذين الأمرين فقط، فيجوز استخدام كل ما أباحه الله تعالى من الوسائل والطرق التي يمكن أن تنفع بإذنه تعالى، وإذا عدنا أخرى إلى قصتنا السابقة وسلمنا بأن الحادث كان إصابة بالعين، فما هو العلاج؟ هل نقتصر على طلب الاغتسال والرقية فقط, أم يستطيع خالد طلب مساعدة الأطباء في علاج الكسر وكذلك إصلاح السيارة لدى الورشة، يبدو أن الأمر أصبح واضحا الآن0
وكما أن أدوية الأمراض العضوية والعمليات الجراحية هي من الوسائل المباحة، كذلك هي العلاجات والأدوية النفسية التي ثبتت فعاليتها بالدراسات العلمية الدولية، فعلى سبيل المثال، أثبتت الدراسات أن الأدوية المضادة للاكتئاب تعالج حوالي 75% من مرضى الاكتئاب فتزول لديهم الأعراض تماماً بينما تتحسن الأعراض بدرجة كبيرة في القسم المتبقي 25%0
نلاحظ أيضاً أن الإصابة بالعين وتوهمها أمر شائع في المجتمعات العربية والإسلامية بخلاف ما كان عليه الأمر في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) فالأحاديث الواردة عن العين في كل السنة النبوية المطهرة لا يتعدى عدد أصابع اليدين، وربما يظهر هذا جليا في المجتمعات التي يسود فيها الجهل وقلة المعلومات الشرعية والطبية.
واذكر هنا أهم الأسباب التي تدعو الإنسان إلى توهم الإصابة بالعين والتمسك بذلك بدلاً من سواها وهي ما يلي:
1- الافتخار المبطن، فقد عرف الناس أنه لا يصاب بالعين إلا ذو نعمة " من مال أو علم أو ذكاء أو جمال ونحوه "
2- تبرير الفشل والإخفاق بعذر مقبول لدى الناس وإلقاء اللوم على الغير0
3- جلب الاهتمام الزائد من قبل الأهل والأقارب، وأنه ضحية لنظرة الآخرين0
4- التهرب من وصمة المرض النفسي خاصة إذا كانت الأعراض النفسية بحته، فقول الناس " فلان مصاب بالعين " أهون من قولهم " فلان مريض نفسي " ولاسيما في وجود صورة المريض النفسي المشوهة في واقعنا الحالي0
